حسن نصّور

في المجمل، ليس بالإمكان دراسة شعر الحوزة أو شعر علماء الدين تحديداً بمعزل عن معايير خاصة في هذا النوع من الشعر. بمعنى أن الشعر هنا في هذا الحيز والمكان ليس غاية بذاته. ليس موضوعاً مكتملا يحاكَم على أساسه شاعرٌ بصرامة معايير الشعر، كما يحاكم شعراءٌ كأبي تمام أو أبي الطيب المتنبي. لأن الشاعر، موضوع البحث، يكون في الأغلب فقيهاً ومحدثاً وعالم أصول. الحكم هنا يصبح مقيّداً لا مطلقاً، ويقاس الشاعر مقارنة بسابقيه ومجايليه من الشيوخ الشعراء في سياقاتهم الخاصة والمحدّدة
ضمن هذه المحاذير، يمكن قول كلمة في ديوان الشيخ ابراهيم صادق (1806- 1867)، الصادر عن مؤسسة الانتشار العربي، ضمن سلسلة التراث العاملي، بإشراف وتقديم حبيب صادق، ورعاية المجلس الثقافي للبنان الجنوبي. تجميع مضن من بضعة مصادر بين مخطوطات ودفاتر قديمة وكتب تراجم من مكتبة النجف تشكل أجزاء الديوان الثلاثة: إسلاميات، وجدانيات، واجتماعيات.السياق الكرونولوجي للقصائد مفقود طبعاً بسبب غياب سيرة ذاتية واضحة المعالم للشيخ بالمعنى المعروف، ما يجعل من العسير الاهتداء الى طبيعة تطور شعر الشيخ والسياقات التي تطورت فيها ملكته الشعرية. يبقى المؤكد من خلال كثرة وجودة القصائد المخمّسة في شعره، أن الشيخ ابن بلدة الطيبة متمكن بدرجة فائقة من تصاريف القصيدة العمودية وبشهادة أعلام المرحلة المذكورين في مقدمة الكتاب
هذا الرأي يقال قياساً على صعوبة نوع الشعر المخمّس، باعتبار هذا النوع مختبراً لمدى القدرة على تجنّب الانزلاق نحو التكلّف في اختيار المفردة، مع محافظته على التكثيف البلاغيّ على طريقة القدماء. كلّ هذا الى جانب قدرته بنفس المستوى على التصرف بسلاسة في الرويّ والقافية، ونذكر مثالا لا حصرا، تخميس قصيدة الشريف الرضيّ المحفوظة لدى الشاعر المعاصر محمد فلحة وتخميس قصيدة ابو فراس الحمداني أراك عصيّ الدمع. فضلا عن تخميس قصيدة الخاليّة (ص218) للشاعر بطرس كرامة الواردة الى داوود باشا الذي كان حاكماً على العراق آنذاك
بنظرة أشمل وبمعزل عن شعر الشيخ الضائع بسبب الإهمال، يبرز أمام القارئ التأثير الهشّ للأجواء والبيئة العاملية في قصائد المتن إلا فيما ندر. وهذا يبدو منطقياً بالنسبة إلى رجل عامليّ قضى ما يقارب ثلاثة عقود في بيئة الحوزة العراقية، حيث غلبت على مواضيع شعره المدائح والرثاءات الدينيّة لبعض الولاة والحكام وذوي الشأن في مناسبات اجتماعية وزيارات متعددة، وكذلك غزلٌ لا خروج فيه على المألوف من نسيب العرب وفنونه. هذا بخلاف القصيدة العاملية التي شهدت بعد وقت قصير في سياق مغاير مع العهد التركي الأخير نقلة نوعية، حيث تميّزت بالابتكار والجرأة اللافتة في الغزل والنقد السياسي والاجتماعي فضلاً عن التخفف البلاغيّ والهجرة التدريجية لمواضيع المديح والرثاء الديني

جريـدة السـفير 15/1/2013

ديوان الشيخ ابراهيم صادق.. الهجرة إلى المديح والرثاء
المجلس الثقافي للبنان الجنوبي